-->

أشهر 10 أساطير في الحضارات القديمة... تعرّف عليها

الأسطورة حكاية مقدسة، يؤمن أهل الثقافة التي أنتجتها بصحة وصدق أحداثها. فهي، والحالة هذه، سجلٌّ لما حدث في الماضي وأدَّى إلى الأوضاع الحالية والشروط الراهنة. وهذا ما يعقد صلة قوية بين الميثولوجيا والتاريخ. فالأسطورة تنظر إلى التاريخ باعتباره تجلياً للمشيئة الإلهية. وفي مقالنا سنستكشف أشهر 10 أساطير من الحضارات القديمة ونتعرف على القصص المثيرة التي تعكس قيم ومعتقدات تلك الثقافات. أرجو قراءتها لما فيها من فائدة ومتعة.

أسطورة
أشهر 10 أساطير في الحضارات القديمة

1. أسطورة إنكي وننخرساج

في الميثولوجيا السومرية، يتجه الاهتمام بشكل أكبر إلى القضايا المتعلقة بالأصول والتنظيم بدلاً من مسائل الخلق. على الرغم من وجود إشارات بسيطة لخلق العالم، تركز الأساطير على أفعال الآلهة في بداية التاريخ، كما في أسطورة إنكي وننماخ، التي تتناول كيفية خلق الإنسان.

وفقًا للأسطورة، بعد خلق العالم، طلبت الآلهة من إنكي أن يخلق إنسانًا ليحمل عنهم عبء العمل. ساعدته في ذلك الإلهة نمو، التي جلبت طين مياه الأعماق، بينما تعاونت مع ننماخ (أو ننخرساج) في تشكيل الإنسان الأول ومنحه صورة الآلهة. احتفل إنكي بإنجازه ودعا باقي الآلهة إلى وليمة.

بعد شرب الخمر، قامت ننماخ بخلق ستة نماذج بشرية مع عاهات مختلفة، وتحدت إنكي بأن يجد لها مكانًا في المجتمع. ونجح إنكي في ذلك. ثم خلق إنكي نموذج إنسان ضعيف لا يستطيع تحريك ذراعه وسمّاه "أيامي موغلة في البعد"، ليشير إلى مفهوم الشيخوخة. وعندما فشلت ننماخ في إعطائه مكانًا، اشتد غضبها وألقت عليه لعنة.

الرسالة الرئيسية للأسطورة ترتبط بتفسير أصل الشيخوخة، مما يُظهر أن الإنسان قد يتأقلم مع العاهات ولكنه يبقى عاجزًا أمام واقع الشيخوخة، التي لم تتمكن الإلهة من معالجتها بعد أن أوجدها إنكي.

2. اسطورة إنكي ينظِّم العالم

يُعتبر الإله إنكي من أبرز الآلهة الفاعلة في التأصيل والتأسيس حسب الميثولوجيا السومرية، ويمثل هذا الدور بوضوح في النص المعروف بعنوان "إنكي ينظم العالم". في هذا النص، يجوب إنكي العالم، مُحددًا مصير كل منطقة وينشر التقاليد الحضارية، مجسدًا كل ما هو نافع لحياة البشر.

عند وصوله إلى بلاد سومر، يرفع إنكي شأنها ويحدد مصير مدينة أور، التي كانت عاصمتها آنذاك. كما يُبارك بلاد ملوحا ويعمل على ملء نهري دجلة والفرات بالماء النقي ويُنشئ فيهما السمك. كذلك، يتولى تنظيم شؤون البحر والرياح، ويخلق أدوات الزراعة مثل المحراث والنير.

في المدن، يهتم إنكي بالعمران مُعينًا للإعمار إلهًا خاصًا، ويحرص على تربية الماشية وتوفير الغذاء من اللبن والزبدة تحت إشراف آلهة مختلفة. رغم أن النص ينقطع عند هذه النقطة، إلا أن الجزء الواضح يكشف عن أسطورة تُعبر عن تاريخ مقدس للحضارة الإنسانية، بقيادة الفعالية الإلهية التي توجه مجرى التاريخ.

وبذلك، ترسم الأسطورة صورة للأصول السومرية، حيث يبرز إنكي كرمز للابتكار والنظام، وليس فقط كخالق، مما يُظهر تطور القيم الحضارية في تلك الحقبة.

3. أسطورة أوزيريس

تتجلى مراحل التاريخ المقدس في الميثولوجيا المصرية من خلال الأوقيانوس المائي البدئي نون، الذي يمثل الوجود قبل الزمن. ففوق هذه المياه كانت هناك روح لا شكل لها، تجمع بداخلها كل أشكال الوجود، وتعرف باسم أتوم، وهو اسم يعبر عن العدم والاكتفاء. انبثق آتوم من هذه الهيولى وتجلَّى تحت اسم رع، ليبدأ الزمن الكوسموغوني.

أنجب رع توأمين هما شو (الهواء) وتفنوت (الرطوبة)، اللذان أنجبا بدورهما نوت (السماء) وجب (الأرض). ومن زواجهما وُلد أوزيريس وإيزيس وسيت. كان أوزيريس أول ملك على الأرض، وقد كرس نفسه لتنظيم شؤون العالم، حيث علم المصريين الفلاحة وصناعة الأدوات، وقدم لهم الزراعة والعمارة والموسيقى والدين.

بعد إرساء التقاليد الحضارية، عهد أوزيريس إلى إيزيس بحكم البلاد وسافر لتعليم البشر في أرجاء المعمورة، ليعود بعد ذلك عائداً إلى مصر ليحكم بالعدل.

ومع ذلك، بدأ الطور الثاني من حياة أوزيريس عندما دخل الشر ممثلاً بالإله سيت، أخيه الذي حقد عليه. بعد فترة من الحكم، دبَّر سيت مكيدة قَتَلَ بها أوزيريس، وألقى جثته في نهر النيل. وبحثت إيزيس عن جسد زوجها حتى وجدته في مدينة جبيل، ثم أُعيد إلى مصر لكنها عانت من فقدانه مجددًا بسبب سيت الذي مزق الجثة إلى أجزاء.

تمكنت إيزيس من جمع الأجزاء وإعادة الحياة لأوزيريس، الذي اختار الهبوط إلى العالم الأسفل كحاكم وقاضٍ للموتى. في هذه الأثناء، استمر الصراع بين ابنه حورس وسيت، ممثلًا الصراع الأزلي بين قوى النور والخير وقوى الظلام والشر.

4. أسطورة إنكي وإنانا

أسطورة إنكي وإنانا
أسطورة إنكي وإنانا

في بداية النص المترجم بواسطة الأستاذ فراس سواح، تستعد الإلهة إنانا، المعبود الرئيسي لمدينة أوروك في عصر السلالات الأولى، للسفر إلى موطن الإله إنكي، رب الأعماق والمعبود في مدينة إيريدو. تهدف إنانا، التي تتوّج بتاج السهول، إلى الحصول على ألواح نواميس الحضارة المعروفة بالـ"مي"، التي يحتكرها إنكي منذ القدم.

عند اقترابها من المكان المقدس، ينادي إنكي خادمه إيسموند ليقدم لإنانا الطعام والماء عند دخولها. يستقبل إنكي إنانا في الآبسو، ويجلس معها لتناول الشراب. مع تناول المزيد من الشراب، يبدأ إنكي بالإفصاح عن نواميس الحضارة، ويهديها إياها واحدة تلو الأخرى.

يتبادل إنكي وإنانا الأنخاب، ويحتفل إنكي بإعطائها نواميس تتعلق بالكهنوت والألوهية، ثم ينتقل لإهدائها نواميس تتعلق بالشؤون الدنيوية، مثل الزراعة والحرف والموسيقى والعدالة. وعندما تتسلم إنانا جميع هذه النواميس، تقف أمام إنكي لتؤكد استلامها وتعددها واحدة تلو الأخرى:

(لقد أعطاني الأب إنكي نواميس الحضارة. أعطاني ناموس الكهنوت الأعلى. أعطاني ناموس الألوهية. أعطاني ناموس التاج النبيل الدائم. أعطاني عرش المُلْك. أعطاني الصولجان النبيل. أعطاني العصا. أعطاني قضيب وحبل قياس المسافة. أعطاني الخنجر والسيف.
أعطاني فن الجماع. أعطاني فن تقبيل القضيب. أعطاني فن الدعارة المقدسة. أعطاني أدوات الموسيقى الصادحة. أعطاني فن الغناء. أعطاني فن اللياقة والكياسة. أعطاني بيوت السكن الآمنة. أعطاني حرفة حفر الخشب. أعطاني حرفة صناعة النحاس. أعطاني... إلخ".)

وبعد أن تنتهي من تعداد ما استلمته من نواميس الحضارة تستعد لمغادرة المكان، وإنكي ما يزال تحت تأثير الخمرة:

(تكلَّم إنكي مع خادمه إيسموند: " أي تابعي ومعيني إيسموند! إن المرأة الشابة ستتوجَّه إلى أوروك، وإني أرغب في وصولها سالمة إلى مدينتها".)

جمعت إنانا النواميس المقدسة، وحملتْها جميعاً في زورق السماء، وتم دفع الزورق، فانساب بعيداً عن المرفأ، وعندما زال مفعول الخمرة من رأس شارب الجعة، عندما زال مفعول الخمرة من رأس إنكي، عندما طارت الخمرة من رأس إله الحكمة العظيم، تطلع إنكي في أرجاء الآبسو، وجالت عينا ملك الآبسو في أنحاء إيريدو، جالت عيناه في أنحاء إيريدو، ثم نادى خادمه:

( أي تابعي ومعيني إيسموند! ناموس الكهنوت الأعلى، والألوهية، والتاج النبيل الدائم، أين هي"؟ لقد وهبها مليكي لابنته إنانا. يكرِّر إنكي سؤاله أربع عشرة مرة ليلقى من إيسموند الجواب نفسه. وفي جوابه الأخير يقول إيسموند: "لقد وهبها مليكي لابنته إنانا، لقد وهبها جميع النواميس المقدسة".

التفت إنكي إلى إيسموند قائلاً: " زورق السماء المحمَّل بالنواميس الإلهية، أين هو الآن؟"

- زورق السماء في الميناء الأول على الطريق.

إمضِ إليه، خذ معك تنانين الإينكوم، دعهم يُرجِعون زورق السماء إلى إيريدو.

وصل إيسموند إلى إنانا وقال: " أي سيدتي، لقد أرسلني الأب إليك، وإن كلمة الأب إنكي هي كلمة القانون. كلمات إنكي ينبغي ألا تُعصى".

قالت له إنانا: " ما الذي قاله الأب إنكي، وما الذي زاد في قوله إنكي؟ ما هي كلماته، كلمات القانون التي ينبغي ألا تُعصى؟ أجاب إيسموند: " قال مليكي: "دَعْ إنانا تتابع طريقها إلى أوروك، واستعِدْ زورق السماء والنواميس إلى إيريدو."

صرخت إنانا: " لقد بدَّل الأب كلمته التي أعطانيها، نكث بعهده ولم يفِ بوعده. خدعني عندما قال، خدعني عندما أعلن على الملأ:
"باسم قدرتي، باسم هيكلي المقدس!"، وبخدعة أخرى أرسلكَ إليَّ.

وما إن أنهت إنانا كلامها هذا، حتى انقضَّت تنانين الإينكوم وأمسكت بالزورق.

هنا نادت إنانا خادمتها ننشوبور: " لقد كنتِ فيما مضى ملكة الشرق، والآن أنت القيِّمة المخلصة على هيكل أوروك. فيا معينتي التي تقدِّم النصح الحكيم، ويا مقاتلتي التي تحارب في صفي، تعالي أنقذي زورق السماء والنواميس المقدسة!

ننشوبور شقَّت الهواء بذراعها، وأطلقت صرخة تهز الأرض، قذفت تنانين الإينكوم وأعادتهم إلى إيريدو.

عند ذلك نادى إنكي خادمه إيسموند مرة ثانية: " أي معيني إيسموند! أين زورق السماء الآن؟

- إنه في المرفأ الثاني على الطريق.

إمضِ وخُذْ معك خمسين من عمالقة الأورو، ودعهم يُرجِعون زورق السماء إلى إيريدو.

انقض العمالقة الطائرون وأمسكوا بزورق السماء، لكن ننشوبور أنقذت الزورق من أيديهم.

عند ذاك نادى إنكي خادمه إيسموند مرة ثالثة: " أي معيني إيسموند! أين زورق السماء الآن؟

- لقد دخل لتوِّه محطة دولما.

أسرع، خذ معك خمسين من وحوش اللاباما، دعهم يُرجِعون زورق السماء إلى إيريدو. أمسك وحوش اللاباما بزورق السماء،
لكن ننشوبور أنقذت زورق السماء من أيديهم.

في المرة الرابعة أرسل إنكي الكوكالجال ذوي الصوت الثاقب. في المرة الخامسة أرسل إنكي الإنيولون. ولكن ننشوبور أنقذت الزورق من أيديهم في كل مرة.

عند ذاك نادى إنكي خادمه إيسموند للمرة السادسة: " أي معيني إيسموند! أين زورق السماء الآن؟- إنه على وشك الدخول إلى أوروك.

أسرِعْ، وخُذْ معك حراس قنال الإيتورونجال. دعهم يُرجِعون زورق السماء إلى إيريدو.

أمسك إيسموند وحراس القنال بزورق السماء، ولكن ننشوبور أنقذت الزورق من أيديهم.

عند ذلك قالت ننشوبور لإنانا: " أي مليكتي! عندما يصل الزورق، عندما يدخل أوروك من بوابة نيجولا، دعي الماء يرتفع وينداح في مدينتنا، ولتمخر المراكب البعيدة المدى بخفة قنواتنا.

أجابت إنانا ننشوبور: " في اليوم الذي يصل فيه زورق السماء، في اليوم الذي يدخل فيه بوابة نيجولا، فليرتفع الماء وينداح في شوارعنا، ليرتفع الماء ويسري في الممرات، ليخرج الأطفال فرحين مغنين، ولتحتفل أوروك كلها. ليخرج الكاهن الأعلى ويستقبل الزورق بالأناشيد، وليَتْلُ الكاهن الأعلى الصلوات الكبرى. ليذبح الملك الشياه والثيران قرباناً، وليسكب من كأسه الجعة تقدمة، لتضجَّ أصوات الطبل والطنبور، ولتعزف موسيقى التيغي العذبة. لتعلن البلاد وتُعلي اسمي، وليسبِّح كل شعبي بحمدي. وهكذا كان".

عند ذلك نادى إنكي خادمه إيسموند: أين زورق السماء الآن؟

- إن زورق السماء في الميناء الأبيض.

إمضِ، فإنانا قد صنعت عجائب هناك. الملكة إنانا قد صنعت عجائب في الميناء الأبيض، صنعت عجائب من زورق السماء.

في تلك الأثناء كانت النواميس تُنزَل من الزورق. وعندما انتهى إنزال النواميس التي تلقَّتها إنانا، تم إعلانها على الملأ وتقديمها لشعب سومر.

ونطقت إنانا قائلة: " إن المكان الذي رسا فيه قارب السماء سوف يُدعى بالميناء الأبيض. إن المكان الذي قُدِّمت فيه النواميس،
سوف يُدعى بالميناء اللازوردي".

وهنا نادى إنكي إنانا قائلاً: " باسم قدرتي، باسم هيكلي المقدس! لتبقَ النواميس التي أخذْتِها في هيكل مدينتك، ولينصرفَ الكاهن الأعلى إلى الإنشاد في الحرم المقدس. لتزدهر أحوال أوروك، ويبتهج صغار مدينتك. ليكن شعب أوروك حليفاً لشعب إيريدو، ولتتبوأ أوروك مكانتها العظيمة").

5. أسطورة أنات وبعل وموت

أنات كانت إلهة عذراء/محاربة مرتبطة بالحرب والصيد. لعبت دورًا رئيسيًا في الأساطير الأوغاريتية وكانت أخت أو زوجة إله الخصوبة والعواصف بعل. فهو يجلب الماء إلى الأرض، مما يساعد على نمو المحاصيل.

في أحد الأيام، يتحدى عدو عظيم اسمه موت " إله الموت"، بعل. كان بعل ولأول مرة ممتلئًا رعبًا، فأستسلم بلا مقاومة، ومضغه موت كطبق من لحم ضني شهي، ثم أنزله إلى العالم السفلي. أرض الموتى. مع موته لم يعد بعل قادرًا على جلب المطر إلى الأرض. أخذت الخضار تذبل وتموت وسط مناحة عامة.

عندها أصبح ايل والد بعل ، الذ هو أيضا نموذج الإله العالي بلا حيلة، وعندما يسمع بموت بعل، ينزل عن عرشه المرتفع، ويلبس ثياب خشنة، ويجرح وجهه على طريقة الحداد التقليدية، ومع ذلك لم يتمكن من إنقاذ أبنه.

اصبحت أنات حينها الألهة الفعالة الوحيدة، فتجوب الأرض، ممتلئة بالأسى والغضب، وتبحث بذهول عن خليلها، عن نصفها الآخر.

تخبرنا النصوص السورية التي حفظت هذه الاسطورة، أن أنات تحن إلى بعل كما تحن البقرة إلى عجلها، والنعجة إلى حملها.

أصبحت الألهه الأم حادة الطباع ومفترسة، وخارجة عن السيطرة، عندما تجد أنات بقايا بعل، تقيم مأدبة دفن كبيرة على شرفه، وتقدم عزائها إلى ايل، ثم تتابع بحثها عن "موت" ، وعندما تجده، تشقه بمنجل طقسي إلى نصفين، ثم تنخله في منخل وتحرقه وتطحنه في مطحنة، ثم تذري لحمه فوق الحقول.

ولأن مصادرنا غير كاملة فإننا لا نعلم كيف أستطاعت أن تعيد بعل إلى الحياة، إلا إنه وبسبب أن كلًا من بعل وموت إله، فلا يمكن القضاء بالكامل على أحدهما، ومع عودة البعل تعود الأمطار. وتنتهي الأسطورة بلم شمل جنسي بين بعل وأنات، كرميز للقداسة والكمال.

6. أسطورة نزول إلهة بلاد ما بين النهرين إنانا إلى العالم السفلي

ليس لدى إنانا أي دافع خيري لرحلتها الخطيرة إلى أعماق الأرض. بقدر ما نستطيع أن نقول من مصادرنا، وهي غير كاملة، لها، الهدف هو اغتصاب أختها إريشكيجال، ملكة الجحيم، وهي أيضًا سيدة الجحيم.

قبل أن تتمكن من دخول قصر اللازورد في إريشكيجال، يجب على إنانا المرور من خلال الأبواب السبعة لأسوار مدينة أختها السبعة. في كل مرة، يتحدى حارس البوابة إنانا ويجبرها على خلع قطعة من ملابسها، وعندما دخلت أخيرًا إلى حضرة أختها، جُردت إنانا من جميع دفاعاتها. فشلت محاولتها الانقلابية، وحكم قضاة العالم السفلي السبعة على إنانا بالموت، ويتم عرض جثتها على رأس رمح مروَس.

لكن الآلهة الأخرى أنقذت إنانا وعادت إلى الأرض. برفقة حشد من الشياطين، إنتصارًا ورعبًا. عندما تصل إلى منزلها، تجد أن زوجها، الراعي الشاب الوسيم دموزي، تجرأ وجلس على عرشها. وبغضب شديد، أصدرت إنانا حكم الإعدام عليه.

يهرب دموزي ويطارده الشياطين ويجبرونه على النزول إلى العالم السفلي ليأخذ مكان إنانا، إلا أن صفقة تعقد، حيث يتم تقسيم العام بينهما، دموزي وشقيقته جشتينانا، يقضيان ستة أشهر مع إريشكيجال في العالم السفلي.

مع مغامرة إنانا هذه، تغير العالم إلى الأبد، يؤدي غياب دوموزي، إله الغطاء النباتي الآن، إلى حدوث تغير موسمي. عندما يعود إلى إنانا، تعود الحياة إلى الأرض مع ولادة الحملان وإطلاق النار من الحبوب، وسرعان ما يتبعها الحصاد، عندما ينزل إلى العالم السفلي، الأرض تعاني من الجفاف الطويل في الصيف.

ليس هناك نصر نهائي على الموت. وتنتهي القصيدة السومرية التي تروي الأسطورة بالصرخة: "يا اريشكيجال! عظيم هو مجدكِ!".

كان المشهد الأكثر تأثيرًا في الفصة هو رثاء النساء، وخاصة والدة دوموزي، وهي تنعي ابنها " غريب في مكان غريب، كان ذات يوم على قيد الحياة، وهو الآن ممدد مثل ثور صغير هوى على الأرض".

ملاحظة: لقد أطلق البابليون على إنانا اسم "عشتار"، و"عشتروت". (أو اشيرا) في سوريا؛ في الشرق الأدنى، كان دموزي يُعرف باسم تموز.

7. أسطورة أتراهاسيس عن فيضانات بلاد الرافدين

هي أطول القصائد عن فيضانات بلاد الرافدين، اصبحت الآلهة فيها مثل البشر، مخططي وبنائي مدن، لهذا السبب خلقت الآلهة الأم البشر لتنجز هذه الأعمال الوضيعة، غير أن عدد البشر أصبح كبيرًا، ومزعجًا، مما حدا بـ أنليل " إله الريح" ، الذي ظل يقظًا بسبب صخبهم، أن يقرر إغراق العالم كوسيلة قاسية للتحكم بعدد السكان.

لكن إنكي يريد إنقاذ أتراحاسيس"الرجل الحكيم للغاية" من مدينة شوروباك. حيث كان بينهما صداقة خاصة، لذلك طلب إنكي من أتراحاسيس أن يبني قاربًا، وأعلمه بالتقنية المستخدمة لمنع تسرب المياه إلى القارب، وبسبب هذا التدخل الإلهي، أتراحاسيس، قادر على إنقاذ عائلته وبذور كل الكائنات الحية.

ولكن بعد أن هدأت المياه، شعرت الآلهة بالرعب من الدمار والخراب الذي سببه الفيضان. في أسطورة بلاد ما بين النهرين، أخذ إنكي أتراحاسيس وزوجته إلى دلمون. فكانا البشر الوحيدين الذين يتمتعان بالخلود والعلاقة الحميمة القديمة مع الآلهة.

8.القصيدة البابلية المعروفة بملحمة جلجامش

ملحمة جلجامش
ملحمة جلجامش - جلجامش - أنكيدو

جلجامش، شخصية تاريخية يُعتقد أنه عاش حوالي 2600 قبل الميلاد، هو الملك الخامس لأوروك في جنوب بلاد ما بين النهرين وأصبح بطلًا شعبيًا. تروي أقدم الأساطير مغامراته مع خادمه إنكيدو. في النسخة النهائية من قصيدته، المكتوبة حوالي 1300 قبل الميلاد، تستكشف الأسطورة حدود ومعنى الثقافة الإنسانية.

تبدأ القصيدة بتصوير جلجامش كرجل ضال، يعاني من عاصفة داخلية ويقمع شعبه، مما يجعله يتوسل للآلهة للإصلاح. لكن الآلهة، غير راغبة في التدخل مباشرة، تخلق إنكيدو، الرجل البدائي، الذي يعيش مع الحيوانات في البرية.

لكي يروض إنكيدو، يرسل جلجامش العاهرة شمهات لتعلمه أساليب الحياة المتحضرة. بعد ذلك، يصبح إنكيدو صديقًا لجلجامش، وينطلقان معًا في مغامرات. وعندما يلتقي جلجامش بعشتار، يرفض مطالبها بالزواج، مما يؤدي إلى انتقامها بمرض إنكيدو وموتيه. هذه التجربة تزعزع جلجامش، وتجعله يدرك حتمية الموت.

للبحث عن الخلود، يتوجه إلى أوتنابيشتيم، الذي ورث الحياة الأبدية. لكنه يُدرك من أوتنابيشتيم أن الآلهة لا تعطل قوانين الطبيعة لصالح البشر. يحصل على درس مؤلم حول محدودية الإنسانية، ويعود إلى أوروك.

يسعى جلجامش بعد هذه الرحلة إلى البناء والتطور الحضاري، متخليًا عن جلد الأسد ومرتديًا ملابس جديدة. ويقرر التركيز على تحسين المدينة وزراعة الفنون بدلاً من السعي وراء الخلود الشخصي، معتمدًا على إرثه، خاصة من خلال اختراع الكتابة، لتخليد إنجازاته للأجيال القادمة.

9. أسطورة هرقل: رحلة البطل اليوناني

هرقل هو بطل قوي وشجاع في الأساطير اليونانية، وهو ابن زيوس، ملك الآلهة، وامرأة بشرية تُدعى ألكمينا، مما يجعله نصف إله ونصف إنسان.

منذ ولادته، أظهر هرقل قوة غير عادية، حيث تمكن كطفل من قتل ثعبانين أرسلتهما هيرا، زوجة زيوس، التي كانت تغار منه. عندما كبر، أُجبر هرقل على القيام باثني عشر مهمة صعبة تُعرف بالأعمال الاثني عشر، كعقوبة لأنه قتل عائلته في لحظة جنون بسبب تأثير هيرا.

أول مهمة كانت قتل أسد نيمي، الذي كان جلده لا يمكن اختراقه، وقد خنقه هرقل بيديه واستخدم جلده كدرع. تلتها مهمة قتل هيدرا، الوحش ذي التسعة رؤوس، حيث أحرق هرقل الجروح لمنع تنسيق رؤوس جديدة.

شملت المهام الأخرى القبض على الغزال الذهبي، أسر الخنزير البري، تنظيف إسطبلات أوجياس في يوم واحد، وقتل الطيور الجارحة، وأسر الثور الكريتي، وسرقة خيول ديوميديس، والحصول على حزام هيبوليتا، وجلب ماشية جيريون، وسرقة تفاح الهيسبيريديس، وأخيرًا القبض على كلب الجحيم سيربيروس.

نجح هرقل في جميع المهام بفضل شجاعته وقوته وذكائه، وفي النهاية أصبح إلهًا وصعد إلى جبل الأوليمبوس ليعيش مع الآلهة.

10.أسطورة رومولوس وريموس: تأسيس مدينة روما

تتحدث هذه القصة عن تأسيس مدينة روما. كان هناك ملك يُدعى نوميتور، الذي حرم من عرشه من قبل أخيه الشرير أموليوس. كان لدى نوميتور ابنة تُدعى ريا سيلفيا، أُجبرت على أن تصبح كاهنة حتى لا تتزوج ولا تنجب أطفالًا. لكن الإله مارس أحب ريا، وأنجبت توأمين هما رومولوس وريموس.

عندما اكتشف أموليوس ذلك، أمر بإلقاء التوأمين في نهر التيبر، لكنهما نجيا، حيث حملهما النهر إلى شجرة تين. هناك، وجدت ذئبة التوأمين وأرضعتهما، ثم عثر عليهما راعٍ يُدعى فاوستولوس وأخذهما إلى منزله ورباهما.

عندما كبر التوأمان، عرفا هويتهما وقررا استعادة عرش جدهما نوميتور، ونجحا في ذلك. بعد إعادته إلى العرش، قررا بناء مدينة جديدة، لكن اختلفا على مكان الموقع. رومولوس أراد بناء المدينة على تل بالاتين، بينما ريموس فضل تل أفنتين. نشب شجار بينهما، وانتهى الأمر برومولوس بقتل ريموس. وفي النهاية، أسس رومولوس مدينة روما ليصبح أول ملك لها.

خاتمة:

الأسطورة والطقوس المصاحبة لها كانت بمثابة تذكير بأن الأمور في كثير من الأحيان يجب أن تسوء قبل أن تتحسن، وأن البقاء والإبداع يتطلبان كفاحًا مخلصًا، وكما لاحظنا من خلال سرد الأساطير العشرة السابقة في الحضارات القديمة إن التاريخ الأسطوري لا يحفل بغير الأحداث الناجمة عن تداخل عالم الآلهة بعالم البشر، وهو يُغفِل الأحداث الدنيوية العادية، ولا يرى فيها ما يستحق العناية بجمعها وحفظها وتذكُّرها. فإذا ما قُيِّض لحادثة ما، أو شخصية ما، أن تخلَّد في الذاكرة فإن ذلك لن يتأتى إلا عن طريق أسْطَرَتها ورفعها من مستوى الواقع إلى مستوى الحدث الميثولوجي.

المراجع